تتصدر السعودية مشهد الابتكار المائي عالمياً من خلال توظيف تقنيات متقدمة ومتنوعة للحفاظ على المياه ورفع كفاءة إدارة الموارد المائية. إذ تعتمد الهيئة السعودية للمياه على حلول رقمية حديثة تشمل الذكاء الاصطناعي والأتمتة والبرمجيات المتخصصة ومنصات رصد متطورة. كما تمثل أنظمة نوعية مبتكرة هدفها خفض الفاقد وتحسين كفاءة الإمداد.
تأتي هذه الجهود في وقت تشهد فيه السعودية انطلاق مشاريع مبتكرة، مثل الواحة الابتكارية في رابغ، التي توظف أحدث الحلول التقنية لتمكين المبتكرين والخبراء من تحويل الأفكار إلى نماذج عملية قابلة للتطبيق. وتعزز هذه المشاريع المحتوى المحلي وتوسع دائرة التوطين، مما يعكس النهج السعودي في تحويل الابتكار إلى واقع عملي مستدام.
قال المهندس طارق الغفاري، وكيل الرئيس للأبحاث والتقنيات الواعدة في الهيئة السعودية للمياه، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن الهيئة تمتلك اليوم 74 براءة اختراع، موزعة على مجالات متقدمة في حلول وتقنيات المياه. وأكد أن هذا لا يمثل سوى جزء من الجهود الجارية، حيث يتم العمل حالياً على توسيع نطاق التقنية عبر شركاء محليين وعالميين لاستحداث تقنيات جديدة.
تمكين المبتكرين في المجال المائي
في هذا الإطار، قال الغفاري إن الهيئة لديها أكثر من 360 تحالفاً نوعياً مع شركات، وجزء كبير منها سيكون موجوداً في واحة ابتكار المياه في رابغ، التي سُجلت في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية بوصفها «أكبر واحة مخصصة للابتكار المائي في العالم».
وأوضح أن «الواحة» تُمكِّن المبتكرين والخبراء الدوليين من تحويل الأفكار إلى نماذج قابلة للتطبيق، سواء عبر تطوير التقنيات أو التواصل مع رواد الأعمال. وهذا يضمن نمو هذه الابتكارات وتعزيز المحتوى المحلي وتوسيع دائرة التوطين.
وعن الفاقد المائي، ذكر أن متوسط الفاقد عالمياً يتراوح بين 30 إلى 35 في المائة، وهو يشكل هاجساً لدى المهتمين والمتخصصين في مجال الابتكار. وقد توفرت أدوات متنوعة ومتقدمة للحد من هذه الإشكالية، بما في ذلك تطبيقات قائمة على الذكاء الاصطناعي وبرمجيات ومنصات مخصصة لتقليص الفاقد.
الذكاء الاصطناعي والابتكار
ولم يعد الفاقد مرتبطاً فقط بتسريبات الشبكات، كما يقول الغفاري، بل بات مفهوماً أوسع يشمل كميات من المياه غير المحسوبة بدقة. تعمل الهيئة على توظيف الأتمتة والذكاء الاصطناعي لحصر نقاط الضعف وحلها. كما أن الهيئة لديها أكثر من 46 مفهوماً ابتكارياً جديداً تصب جميعها في هدف واحد؛ وهو الحد من الفاقد.
وتحدث وكيل الرئيس عن الأبحاث قائلاً: "هدفها إما خفض تكاليف التشغيل وإما تحسين الكفاءة أو خفض التكاليف الرأسمالية مع ضمان الجودة في الأعمال. ومن ضمنها وحدات متنقلة تُستخدم في إنتاج المياه المحلاة أو في معالجة الصرف الصحي، وقد انطلقت عمليات تطبيقها بشكل واسع في كل من الساحل الشرقي والغربي من السعودية.
وتعد هذه التقنية، وفقاً للغفاري، من التقنيات الواعدة التي تراهن عليها الهيئة لإحداث فارق نوعي. وهناك مجموعة كبيرة من التقنيات الأخرى مثل أنظمة التنبؤ بالأعطال والدراسات التحليلية للبيانات، التي تعد من المقومات الأساسية في العمليات التشغيلية اليومية.
استثمارات في الابتكار
وحول قيمة الاستثمار في الأبحاث، أفاد الغفاري بأن المؤشرات العالمية أظهرت أن كل دولار يُستثمر في البحث والابتكار يوازيه دولاران كعائد مباشر. وهذا يرفع سقف الطموح لدى الهيئة لتعظيم الاستثمار في التقنيات الجديدة.
وأكد الغفاري أن الهيئة حريصة على خفض استهلاك الطاقة في الإنتاج، حيث تمثل التكاليف التشغيلية المرتبطة بالطاقة نحو 60 في المائة. وقد نجحت الهيئة في الوصول إلى استهلاك طاقة بين 2.34 و2.27 كيلوواط لكل متر مكعب.
وفيما يتعلق بالشراكات مع المنظمات الدولية، اختتم الغفاري حديثه بالقول إن "الشراكات القائمة تمثل الأساس، ونؤمن بثقافة المجتمع العلمي المفتوح، حيث تعد مشاركة المعلومات والمعرفة عنصراً جوهرياً لضمان تعظيم الفائدة من الأعمال والبحوث".







